
انتفاضة أولاد زيد بأسفي أو ما يعرف بعام الرفسة
صنفت حكاية انتفاضة أولاد زيد أو مايعرف بعام الرفسة بالتراجيدية الدم والانتقام المتبادل بين عيسى بن عمر وقبيلة أولاد زيد ، وشكلت هذه انتفاضة منعطفا خطيرا في تاريخ منطقة عبدة والتي كانت تحمل شعار الجهادومقاومة الظلم، وجاءت كذلك لتجسد وقائع اجتماعية وتاريخية جعلت الأحداث محطة اهتمام الباحتين في تاريخ المنطقة ، وقد تناول هذا الموضوع بالدرس والتحليل العديد من الباحث كالفقيه الكانوني وعبد الله ركوك وإبراهيم اكريدية وغيرهم كثير ، واجمع معظمهم على أن انتفاضة أولاد زيد كانت ردة فعل عن الظلم واستبداد القائد ، وركز من بينهم الباحث ركوك في بعض أبحاثه على أن البعد التاريخي كان له اثر بالغ في رسم معالم الانتفاضة التي جرت أطوارها في مرحلة كانت تعرف بالسيبة مع نهاية القرن 19 وبعد وفاة السلطان الحسن الأول سنة 1894 وتولي العرش بعده ابنه المولى عبد العزيز الذي لم يتجاوز عمره إحدى عشرة سنة ، الشيء الذي جعل الصدر الأعظم الوزير أبا احماد يغتنم الفرص ويعيث في الأرض فسادا وطغيانا، وعلى اثر ذلك أعلنت بعض القبائل تمردها، وعصيانها ، و كان القائد عيسى بن عمر حينئذ هو الحاكم المطلق في المنطقة موسعا دائرة نفوذه بها ، وبالتالي أصبح يضرب به المثل في القمع والاستبداد إلى درجة أن المؤرخ السلاوي أحمد بن محمد الصبيحي أفرد له كتابا خصصه فقط
لجبروته وطغيانه تحتعنوان "عيسى بن عمر وفظائعه" ، معتبرا إياه الحجاج بن يوسف الثقافي الثاني لشدةما سفك من دماء وأزهق من أرواح ، و تذكر بعض الروايات الشفهية أن أصل الصراع يكمن في تحيز عيسى بن عمر لمنطقة دون أخرى داخل مجال عبدة إذ كان يمدهم بالغنائم والخيل و السلاح، وما أثار حفيظة فخذة أولاد زيد هو ذلك الإقصاء الممنهج ، ابتداء من تجريدهم من السلاح،وكساد تجارتهم فتفاقمت بذلك معاناتهم لكثرة الضرائب دون مراعاة الظرفية المناخية للسنة،وانتهاء بتسخير الفلاحين في خدمات مختلفة في مقدمتها الفلاحة و تكليفهم برعي ماشيته وتعرضهم إلى الاعتقال و التعذيب و الزج بهم في زنازين السجون الأمر الذي سبب في هروب أفراد من القبيلة بشكل جماعي، وهو ما يسمى عند العامة بعام الهربة، كل هذه الاكراهات كانت عاملا قويا في تحريك سكان أولاد زيد للقيام بالانتفاضة التي لم تكن ذات طابع ثوري، و إنما ذات طابع انفعالي حسب ركوك وبالتالي اعتبارها حركة احتجاج ضد الفقر والظلم الجور ، الشيء الذي عجل بانتفاضة عارمة رغم محاولة القائد عيسى بن عمر استرضاء جانب من هذه القبيلة عن طريق وساطة الشرفاء الذين أتوا لهم بأغطية كل من سيدي بلعباس من مراكش و الشيخ أبي محمد صالح ضريح أسفي و سيدي عبد الله أمغار ة من الجديدة ، إلا أنهم رفضوا الصلح و التهدئة، و لهذا قام عيسى بن عمر بحركة ضد أولاد زيد مستعينا بقبيلة تمرة و بعض الدكاليين، لاستماتة مقاومة أولاد زيد العارفين بالمجال الساحلي ، الذي كان يساعدهم في توجيه ضربات لجند عيسى بن عمر و الاختفاء بين الصخور إضافة إلى وجود ميناء الكاب المنفذ الرئيسي لتزويدهم بالأسلحة، وحسب العديد من كتابات التي يرجع لهم الفضل في توثيق هذه الانتفاضة التي كانت من 1894 إلى 1895، ، واعتبرت معركة الغير متكافئة فر على اثر ذلك زعيم أولاد زيد الحاج محمد بن ملوك إلى أسفي طلبا لاستغاثة ، إلا أن القائد أمنه للعودة إلى القبيلة ، و في مرحلة ثانية اجتمع أولاد زيد حول زعيمهم فقرروا الاستمرار في المقاومة بعد حصولهم على السلاح ، وبعد استعصاء أمر القبيلة كاتب القائد عيسى بن عمر السلطان في شأنها وخاصة بعد انتقل القتال إلى ضواحي مدينة أسفي وهزمهم بالضريضرات القريبة من المدينة والتي اعتبرت مؤشرا ينبئ بقرب نهاية هذه الانتفاضة التي لم يكن المخزن المركزي يريد استمرارها ولذلك أصدر أمره إلى باشا مدينة أسفي بالتوسط في الصلح بين القائد و قبيلة أولاد زيد ، وحينها قام باشا المدينة باستدعاء رؤساء الانتفاضة بحرم شيخ المدينة أبي محمد صالح حيث تم عقد الصلح، إلا انه لم يعمر كثيرا لتندلع الانتفاضة مرة أخرى، وطلب أولاد زيد من الباشا مكاتبة السلطان بتولي أمرهم إلى قائد غير عيسى بن عمر ، فتوالت المعارك بين طرفين مرة أخرى، وقد نزل أولاد زيد بكدية العفو فانطلقوا يقومون بهجمات خاطفة يتم بواسطتها الاستيلاء على ذخيرة عيسى بن عمر والعودة إلى مخيماتهم أو الاحتماء بالمدينة ، وفي ظل هده الفوضى العارمة دعا باشا المدينة السيد حمزة بنهيمة زعماء أولاد زيد للاجتماع بالمخزن التاجر "خورخي" الاسبنيولي بالرباط قصد عقد الصلح بين المتقاتلين، وقد حضر الجميع إلى مكان الصلح ومن بينهم القائد ابن علال والقائد الحاج مبارك بن بوشتة الدكاليان، وبينما كان الخطيب يخطب حول قضية الصلح قام عيسى بن عمر و ضرب رأس الخطيبفقسمه قسمين وحينها قام أصحابه بقتل كل أفراد أولاد زيدالذين قابلوهم فقاتلوهم قتالا شديدا مع أنهم لم يكونوا مستعدين مثلهم ، وتوالى القصف من فتحات الأسوار على كل الفارين ممن حضروا الصلح ، وأغلقت أبواب المدينة ولم يبقى أمام الفارين سوى اللجوء إلى ضريح الشيخ أبي محمد صالح قصد الاحتماء به، فتبعهم أصحاب عيسى بن عمر داخل الضريح فقاتلوهم قتالا شديدا ، وبذلك حصل لأهل المدينة الذين كانوا متجمهرين في بطحاء الرباط منتظرين إعلان الصلح خوف و فزع نتيجة لما حصل ، ففرت الجموع ووقع ازدحام كبير على أبواب المدينة المقفلة نتج عن ذلك هلاك كل من حوصر أمام الأبواب ،و لاحق عيسى بن عمر كل من فر من أولاد زيد فقبض على أزيد من 800 رجل تم إيداعهم سجون كل من سجن أسفي مراكش و الصويرة و الرباط ، و كان من بينهم الحاج محمد بن ملوك الذي سجن بتطوان ومات هناك ثم عبد القادر بن محمد بن الحاج عبد الله بنمسعود الذي كان بسجن الصويرة ، و دحمان بن الهاشمي بن محمد ابن الحاج عبد الله الذي مات بسجن مراكش، و الطيب من دوار أولاد بلعيد الذي سجن بسجن القائد بن عمر المعروف بالبردوز.
